«موديز».. والجدارة السعودية
جريدة الرياض -

لا يستغرب المتتبع للتطورات الراهنة في الاقتصاد السعودي، النتيجة المنطقية، التي كشفت عنها مؤسسة موديز المرموقة للتصنيفات الائتمانية، والتي رفعت تصنيفاتها للسعودية من A1 إلى Aa3 مع تغيير نظرتها المستقبلية للبلاد من إيجابية إلى مستقرة، وبالفعل، فقد قطعت المملكة بالفعل شوطاً كبيراً في التنوع الاقتصادي، وتحررت بشكل تدريجي من المرحلة الطويلة للإدمان على النفط، وانفتحت على مرحلة ذهبية في توسيع الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وأفسحت الطريق أمام مشاركة القطاع الخاص، ولا يزال هذا الزخم في النمو مستمراً، مما سيمكن المملكة من استمرارية زيادة إيراداتها غير النفطية بشكل ملحوظ.

تكتسب شهادة "موديز"، بعداً دولياً كبيراً، ورسالة إيجابية واضحة للمستثمرين الأجانب، كونها صادرة عن بيت خبرة عالمي من الدرجة الأولى، فهي ليست شهادة صادرة عن مؤسسة محلية أو عربية، مما ينفي عنها جملة وتفصيلاً شبهة المجاملة، وبالتالي هي شهادة مستحقة لاقتصاد قطع شوطاً كبيراً في الترقي والنمو، خاصة وأن الصورة الذهنية التي ترسخت لسنوات في الغرب هي أن الاقتصاد السعودي اقتصاد ريعي نفطي، إلا أن هذه الشهادة الدولية الراهنة تعكس اعتقاد موديز بأن التنوع الاقتصادي في أكبر دولة منتجة للنفط في العالم مستمر في التقدم، مما يقلل من تعرض البلاد لمخاطر تقلبات أسعار النفط والتحول الكربوني الطويل الأجل، كما أن شهادة "موديز" تأتي ضمن سلسلة عنقود الشهادات الإيجابية، حيث تصنف وكالة فيتش المملكة حالياً عند "+A" مع نظرة مستقبلية مستقرة، أما وكالة ستاندر أند بورز فتصنف السعودية عن "A/A-1" مع تعديل نظرة مستقبلية إيجابية.

وحتى يكتمل عنقود المكاسب، فإن توقعات "موديز" الإيجابية تعطي مؤشراً جيداً على عدة مستويات، حيث تستند هذه التوقعات على عدم وجود ضغوط هبوطية كبيرة على أسعار النفط أو الإنتاج خلال السنوات القليلة المقبلة، وتفترض أن التوترات الجيوسياسية في المنطقة لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران، وهذا أمر جيد ليس فقط للاقتصاد السعودي، ولكن أيضاً للاقتصاد العالمي، وفي القلب منه الاقتصاد الخليجي، لأن تأمين واستقرار أسواق الطاقة وعدم تضرر الإيرادات النفطية تعتبر عنصراً أساسياً في تمويل الخزانة لباقي الأنشطة الاقتصادية وتطوير الاستثمارات السعودية في الخارج.

تعكس التوقعات المستقرة للاقتصاد المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة، وبقاء هذه المشاريع على خط المواجهة، مما سيزيد من مساهمة القطاع الخاص في التنمية الوطنية، وسيدفع زخم النمو المتواصل من إمكانية تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع، وتخيلوا مثلاً لو كانت "موديز" تتوقع انخفاضات كبيرة في أسعار النفط أو الإنتاج، فإن هذا التوقع، الذي لم يحدث لحسن الحظ، كان سيؤدي إلى تكثيف المقايضة بين البقاء على سلم التنويع الاقتصادي أو تغليب الحكمة المالية وتأجيل بعض المشاريع أو الاستثمارات، وتخيلوا مثلاً لو كانت التوقعات هي استمرار توسع الصراع الجيوسياسي، فإن ذلك يعني أن هناك خطرًا على التطورات الاقتصادية في الأمد القريب، وباعتقادي، فإن هذه الشهادة الدولية المستحقة بجدارة، سيكون لها ما بعدها، فهي ليست نهاية المطاف، حيث نتوقع استمرار المزيد من الشهادات الإيجابية التي ستصدر قريباً عن بيوت الخبرة المرموقة عالمياً.



إقرأ المزيد