الإمارات اليوم - 11/1/2025 2:09:14 AM - GMT (+2 )
يُمثّل كتاب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «علمتني الحياة»، مرجعاً معرفياً وفكرياً للأجيال الحالية والقادمة، والكتاب يُوثّق محطات من مسيرة وفلسفة سموّه القيادية والفكرية في سياسة الناس وسياسة الحكم.
35 فصلاً مُلهِماً يجمعها كتاب استثنائي، أراده سموّه أن يكون «بسيطاً في كلماته، صريحاً في عباراته، حقيقياً في معانيه حتى يصل من القلب للقلب».
وقال سموّه في مقدمتها: «خلال بضعة أعوام سأكمل 60 عاماً في العمل العام.. 60 عاماً من سياسة الناس وسياسة الحكم، وسياسة الحياة، 60 عاماً مرت سريعة بتحدياتها وإنجازاتها، وأفراحها وأحزانها، وأزماتها ومفاجآتها، 60 عاماً كسبت فيها أصدقاء، وبسبب الإنجاز أصبح لدي أيضاً حُسّاد، 60 عاماً فقدت فيها أحبة، فقدت أبي وأمي وإخوتي وغيرهم، وكسبت فيها الكثير، أسرةً جميلةً وأبناء صالحين ومواطنين طيبين، ودولة أصبحت حديث الناس والعالم».
ويأتي إطلاق الكتاب تجسيداً لحرص صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على نقل خبراته وتجاربه الثرية، في مختلف الميادين، ليكون إضافة نوعية للمكتبة العربية، ومصدر إلهام للقيادات وصُنّاع القرار والجيل الجديد من الشباب الطامح لصناعة المستقبل.
كما يُعدّ امتداداً لمسيرة سموّه في رفد الفكر والثقافة والإبداع بنتاجات نوعية تركت بصمتها على الحراك الفكري والثقافي محلياً وعربياً، عبر موضوعات شاملة تتناول مختلف جوانب الحياة وقيمها الإنسانية والتنموية.
وفي مقدمة الكتاب يقول سموّه: «تعلمت الكثير من الحياة، ولعل أكبر درس تعلمته أنني لست كاملاً، بل إنسان يتعلم ويتطور، وينمو ويكبر، ويحب ويكره، ويقوى ويضعف، ويتغير باستمرار، ولكن بقي الثابت الوحيد، عبر أكثر من سبعة عقود من حياتي، أنني أحببت بلدي، وأحببت شعبي، وأحببت أسرتي».. ومن قصص الكتاب:
الحب
سألني أحدهم: الشيخ محمد أنت شاعر، ما هو تعريفك للحب؟
أجبته ببيت شعر أردده:
الحب ما هي كلمة تنقال وتنّسى
الحب موقف صدق، بالفعل يظهر
بالنسبة لي، الحب ليس عشق الحبيب للمحبوب فقط، الحب أكبر وأسمى وأجمل..
الحب قوة ترفعك.. وترقّيك.. وتهذبك.. وتسعدك.
الحب هو الجسر الذي يربط بيننا وبين كل شيء.
هو الجسر الذي يربطنا مع أسرتنا.. فنحمي الأبناء.. ونقدر الآباء.. ونعشق الشريك.
الحب هو الجسر الذي يربطنا مع وطننا.. فنحميه.. ونفديه.. ونغليه.. ونموت من أجله.
الحب هو الجسر الذي يربطنا مع أحلامنا.. فنعشقها، ونتعلق بها، ونتفانى من أجلها، وتهون الصعاب والتحديات لبلوغها.
الحب هو الجسر الذي يربطنا بمجتمعنا، فلا نجد انتماءنا إلا إليه.. ولا نحس بالسكينة والسلام إلا معه، ولا يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
الحب هو الجسر الذي يربطنا مع أنفسنا، نحب ذواتنا.. ونعرف قيمتنا.. وندرك جمالنا الداخلي والخارجي.
وقبل كل ذلك، الحب هو الجسر الذي يربطنا مع الله، نحب خالقنا.. ويحبنا.. نرى آثاره في هذا الكون الفسيح، ونرى رحمته منبثة في جميع مخلوقاته، ونرى فضله علينا ونعمه التي لا تُعد ولا تحصى.. فنحبه وهو يحبنا.. وهو يحب المحسنين، ويحب النفّاعين لعباده، الناشرين لرحمته.. القريبين من خلقه.
نعم الحب كل شيء، وأجمل شيء، ومنبع كل شيء.. ولو تأملنا لوجدنا خلف كل إنجاز بشري حضاري يقف الحب، حب فكرة.. أو حب حلم.. أو حب وطن.. أو حب بشر.
وإذا كنا نريد مزيداً من الإنجاز، ومزيداً من الحضارة والازدهار والخير لهذا العالم، فلابد أن نعلم الحب لأطفالنا.
نعم الحب ليس فقط شعوراً تلقائياً، بل منظومة قيم تنشأ منذ الطفولة، وتنعكس على سلوك الإنسان ومشاعره وتعامله مع نفسه ومجتمعه ووطنه ومحيطه.
يقال إنه قبل مذابح رواندا التي راح ضحيتها 800 ألف إنسان خلال 100 يوم.. كانت الإذاعات تنشر خطاب الكراهية والعنصرية والاحتقار للآخر. نعم كانوا يعلّمون الناس الكراهية، ورأينا كيف كانت النتيجة.
ومثل ذلك رأينا في يوغوسلافيا السابقة بعد تفككها خطاباً من الكراهية أدى لحرب أهلية ودينية راح ضحيتها الآلاف.
وأغلب الحروب والصراعات لا تحدث إلا بعد جهود كبيرة في شحن الناس وتعليمهم الكراهية تجاه بعضهم. نعم يمكن تعليم الناس الكراهية بالسخرية والعدائية والعنصرية والاحتقار للآخرين، والنتائج ستكون مدمرة.
وبالمقابل، يمكن تعليم الناس الحب والتعاطف والرحمة.
الحب ليس شعوراً فقط، بل مهارة نفسية واجتماعية يمكن زرعها وتنميتها وتغذيتها.
ويمكن تعليم الحب لأطفالنا عبر تعليمهم التعاطف مع الآخرين، والتسامح مع المختلف، وحسن الإصغاء والتواصل والاحترام والتعاون.
إذا تعلم أطفالنا كيف يحبون أنفسهم ويحبون أسرهم ويحبون وطنهم، فالنتيجة ستكون حياة أكثر استقراراً وسلاماً لهم، وإنجازات أكبر لأسرهم وأوطانهم.
الحب شعور صادق يؤدي لموقف صادق ويكون مفتاحاً لأفعال عظيمة.
الحب ما هي كلمة تنقال وتنّسى
الحب موقف صدق، بالفعل يظهر.
• إذا تعـلـم أطفالنا كيف يحبون أنفسهم ويحبون أسرهم ويحبون وطنهم، فالنتيجة ستكون حياة أكثر استقراراً وسلاماً لهم، وإنجازات أكبر لأسرهم وأوطانهم.
• الحب هو الجسر الذي يربطنا مع أحلامنا.. فنعشقها، ونتعلق بها، ونتفانى من أجلها، وتهون الصعاب والتحديات لبلوغها.
اقتصاد قوي.. وضمير سوي
علمتني الحياة أن المال والوفرة الاقتصادية وحدها لا تحقق السعادة والاستقرار في الدول والمجتمعات، بل يحققها الاقتصاد القوي والضمير السوي معاً.
المبادئ والقيم والأخلاق ركن أساسي في تحقيق الازدهار والاستقرار.
ما الخير في مجتمع لا يراعي الضعفاء ولا يرحم المحتاجين؟
ما السعادة في مجتمع يفتقد قيم العدالة والمساواة؟
كيف يعيش الإنسان مستقراً في مجتمع لا يوفر له الكرامة لشخصيته والاحترام لإنسانيته؟
علمتني الحياة أن القائد الحقيقي لأمته ليس فقط من يوفر لها الطعام والماء والمسكن والدواء..
بل من يغرس فيها الرحمة، ويرسخ فيها العدالة، وينشر فيها روح التعاون والتسامح.
القائد الحقيقي هو الذي يطور منظومة القوانين، وفي نفس الوقت يشيد منظومة القيم.
القائد الحقيقي هو الذي يرسخ البنية التحتية المتطورة، ومعها يرسخ بنية القيم والمبادئ والأخلاق.
يقلقني أحياناً - وخاصة في مجتمعاتنا الخليجية - الحديث الدائم عن الأرقام الاقتصادية، والإنجازات العمرانية، والمؤشرات التنموية، وننسى الحديث عن تنمية مجتمع متراحم متعاضد، وتنمية أسر مستقرة متماسكة، وتنمية أفراد بمعايير أخلاقية وإنسانية عالية.
يقلقني أننا نركز على مؤشرات تنمية الثروة، وننسى مؤشرات تنمية القيم والأخلاق والمبادئ.
المجتمعات المستقرة المتوازنة السعيدة بحاجة للجناحين لتحلق في سماء الحضارة والرقي.
تحدثت في المبادئ الثمانية لدبي عن رؤيتي لمجتمعنا. لدينا رؤى اقتصادية وتنموية ولكن أيضاً لدينا رؤية مجتمعية أخلاقية. تحدثت عن مجتمعنا الذي يتميز بكثرة العمل وقلة الجدل.. مجتمع يتميز بالانضباط في وعوده ومواعيده وعهوده.. متواضعون عند النجاح، مثابرون عند التحديات.
ناشرون للخير، منفتحون على الجميع.. مجتمع يسوده الاحترام، ويربط كافة مكوناته التسامح، ويبتعد عن العنصرية والتمييز.
نعم نحن نسعى لمجتمع يسوده الاحترام، احترام كرامة الإنسان وحقوقه وخصوصياته..
احترام الوالدين، واحترام العامل والمعلم، واحترام كافة الثقافات والجنسيات والأديان.
نسعى لمجتمع يتحمل المسؤولية، المسؤولية الاجتماعية تجاه الأسر، والمسؤولية المهنية تجاه الإنجاز وأداء العمل بإتقان، والمسؤولية الوطنية في احترام الأمن والنظام.
مجتمع مبتسم متفائل مقبل على الحياة..
مجتمع متواضع، وخاصة عند النجاح والوفرة المالية والتفوق..
مجتمع متسامح متعايش، لا يشعر فيه أي أحد بالغربة، بل نحن وطنه وأهله وأسرته.
مجتمع ناشر للخير باذل للمعروف، متنافس في العطاء من غير منّة أو تفضّل، الغني يعطي الفقير والقادر يسند الضعيف..
مجتمع محب للوطن، حريص على أمنه وأمانه واستقراره وسمعته.
هذه بعض القيم التي نسعى بها، ونسعى لها، ونسأل الله أن يوفقنا في غرسها وترسيخها..
لأن الأخلاق والقيم هي القوة الحقيقية التي تحافظ على المجتمعات من التراجع والانهيار..
الأخلاق والقيم هي التي تصنع الحضارة.. بل هي الحضارة.
• علمتني الحياة أن القائد الحقيقي لأمته ليس فقط من يوفر لها الطعام والماء والمسكن والدواء.. بل من يغرس فيها الرحمة، ويرسخ فيها العدالة، وينشر فيها روح التعاون والتسامح.
إقرأ المزيد


